اشترك ليصلك كل جديد

slide

‏إظهار الرسائل ذات التسميات تفسير القرآن الكريم كاملا. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات تفسير القرآن الكريم كاملا. إظهار كافة الرسائل

تفسير سورة الغاشية



تفسير سورة الغاشية عدد آياتها 26
وهى مكيه

{ 1 - 16 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً * تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ * لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ * لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ * لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً * فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ * فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ * وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ * وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ * وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ }
يذكر تعالى أحوال يوم القيامة وما فيها من الأهوال الطامة، وأنها تغشى الخلائق بشدائدها، فيجازون بأعمالهم، ويتميزون [إلى] فريقين: فريقًا في الجنة، وفريقًا في السعير.
فأخبر عن وصف كلا الفريقين، فقال في [وصف] أهل النار: { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ } أي: يوم القيامة { خَاشِعَة } من الذل، والفضيحة والخزي.
{ عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ } أي: تاعبة في العذاب، تجر على وجوهها، وتغشى وجوههم النار.
ويحتمل أن المراد [بقوله:] { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ } في الدنيا لكونهم في الدنيا أهل عبادات وعمل، ولكنه لما عدم شرطه وهو الإيمان، صار يوم القيامة هباء منثورا، وهذا الاحتمال وإن كان صحيحًا من حيث المعنى، فلا يدل عليه سياق الكلام، بل الصواب المقطوع به هو الاحتمال الأول، لأنه قيده بالظرف، وهو يوم القيامة، ولأن المقصود هنا بيان وصف أهل النار عمومًا، وذلك الاحتمال جزء قليل من أهل النار بالنسبة إلى أهلها  ؛ ولأن الكلام في بيان حال الناس عند غشيان الغاشية، فليس فيه تعرض لأحوالهم في الدنيا.
وقوله: { تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً } أي: شديدًا حرها، تحيط بهم من كل مكان، { تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ } أي: حارة شديدة الحرارة { وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ } فهذا شرابهم.
وأما طعامهم فـ { لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ } وذلك أن المقصود من الطعام أحد أمرين: إما أن يسد جوع صاحبه ويزيل عنه ألمه، وإما أن يسمن بدنه من الهزال، وهذا الطعام ليس فيه شيء من هذين الأمرين، بل هو طعام في غاية المرارة والنتن والخسة نسأل الله العافية.
وأما أهل الخير، فوجوههم يوم القيامة { نَاعِمَةٌ } أي: قد جرت عليهم نضرة النعيم، فنضرت أبدانهم، واستنارت وجوههم، وسروا غاية السرور.
{ لِسَعْيِهَا } الذي قدمته في الدنيا من الأعمال الصالحة، والإحسان إلى عباد الله، { رَاضِيَةٍ } إذ وجدت ثوابه مدخرًا مضاعفًا، فحمدت عقباه، وحصل لها كل ما تتمناه، وذلك أنها { فِي جَنَّةٍ } جامعة لأنواع النعيم كلها، { عَالِيَةٍ } في محلها ومنازلها، فمحلها في أعلى عليين، ومنازلها مساكن عالية، لها غرف ومن فوق الغرف غرف مبنية يشرفون منها على ما أعد الله لهم من الكرامة.
{ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ } أي: كثيرة الفواكه اللذيذة، المثمرة بالثمار الحسنة، السهلة التناول، بحيث ينالونها على أي: حال كانوا، لا يحتاجون أن يصعدوا شجرة، أو يستعصي عليهم منها ثمرة.
{ لَا تَسْمَعُ فِيهَا } أي: الجنة { لَاغِيَةً } أي: كلمة لغو وباطل، فضلًا عن الكلام المحرم، بل كلامهم كلام حسن [نافع] مشتمل على ذكر الله تعالى، وذكر نعمه المتواترة عليهم، و[على] الآداب المستحسنة  بين المتعاشرين، الذي يسر القلوب، ويشرح الصدور.
{ فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ } وهذا اسم جنس أي: فيها العيون الجارية التي يفجرونها ويصرفونها كيف شاءوا، وأنى أرادوا.
{ فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ } و " السرر " جمع " سرير " وهي المجالس المرتفعة في ذاتها، وبما عليها من الفرش اللينة الوطيئة.
{ وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ } أي: أوان ممتلئة من أنواع الأشربة اللذيذة، قد وضعت بين أيديهم، وأعدت لهم، وصارت تحت طلبهم واختيارهم، يطوف بها عليهم الولدان المخلدون.
{ وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ } أي: وسائد من الحرير والاستبرق وغيرهما مما لا يعلمه إلا الله، قد صفت للجلوس والاتكاء عليها، وقد أريحوا عن أن يضعوها، و يصفوها بأنفسهم.
{ وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ } والزرابي [هي:] البسط الحسان، مبثوثة أي: مملوءة بها مجالسهم من كل جانب.

{ 17 - 26 } { أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ * فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ * إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ * فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ * إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ }

يقول تعالى حثًا للذين لا يصدقون الرسول صلى الله عليه وسلم، ولغيرهم من الناس، أن يتفكروا في مخلوقات الله الدالة على توحيده: { أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ } أي: [ألا] ينظرون إلى خلقها البديع، وكيف سخرها الله للعباد، وذللها لمنافعهم الكثيرة التي يضطرون إليها.
{ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ } بهيئة باهرة، حصل بها استقرار الأرض  وثباتها عن الاضطراب، وأودع فيها من المنافع [الجليلة] ما أودع.
{ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ } أي: مدت مدًا واسعًا، وسهلت غاية التسهيل، ليستقر الخلائق  على ظهرها، ويتمكنوا من حرثها وغراسها، والبنيان فيها، وسلوك الطرق الموصلة  إلى أنواع المقاصد فيها.
واعلم أن تسطيحها لا ينافي أنها كرة مستديرة، قد أحاطت الأفلاك فيها من جميع جوانبها، كما دل على ذلك النقل والعقل والحس والمشاهدة، كما هو مذكور معروف عند أكثر  الناس، خصوصًا في هذه الأزمنة، التي وقف الناس على أكثر أرجائها بما أعطاهم الله من الأسباب المقربة للبعيد، فإن التسطيح إنما ينافي كروية الجسم الصغير جدًا، الذي لو سطح لم يبق له استدارة تذكر.
وأما جسم الأرض الذي هو في غاية الكبر والسعة  ، فيكون كرويًا مسطحًا، ولا يتنافى الأمران، كما يعرف ذلك أرباب الخبرة.
{ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ } أي: ذكر الناس وعظهم، وأنذرهم وبشرهم، فإنك مبعوث لدعوة الخلق إلى الله وتذكيرهم، ولم تبعث مسيطرًا عليهم، مسلطًا موكلًا بأعمالهم، فإذا قمت بما عليك، فلا عليك بعد ذلك لوم، كقوله تعالى: { وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ } .
وقوله: { إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ } أي: لكن من تولى عن الطاعة وكفر بالله { فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ } أي: الشديد الدائم، { إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ } أي: رجوع الخليقة  وجمعهم في يوم القيامة.
{ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ } فنحاسبهم على ما عملوا من خير وشر.
آخر تفسير سورة الغاشية، والحمد لله رب العالمين
Ler Mais

تفسير سورة الأعلى



 تفسير سورة الأعلى عدد آياتها 19
وهى مكيه

{ 1 - 19 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى * فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى * سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى * إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى * وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى * فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى * ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى *بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى * إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى }
يأمر تعالى بتسبيحه المتضمن لذكره وعبادته، والخضوع لجلاله، والاستكانة لعظمته، وأن يكون تسبيحا، يليق بعظمة الله تعالى، بأن تذكر أسماؤه الحسنى العالية على كل اسم بمعناها الحسن العظيم  ، وتذكر أفعاله التي منها أنه خلق المخلوقات فسواها، أي: أتقنها وأحسن خلقها، { وَالَّذِي قَدَّرَ } تقديرًا، تتبعه جميع المقدرات { فَهَدَى } إلى ذلك جميع المخلوقات.
وهذه الهداية العامة، التي مضمونها أنه هدى كل مخلوق لمصلحته، وتذكر فيها نعمه الدنيوية، ولهذا قال فيها: { وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى } أي: أنزل من السماء ماء فأنبت به أنواع  النبات والعشب الكثير، فرتع فيها الناس والبهائم وكل حيوان  ، ثم بعد أن استكمل ما قدر له من الشباب، ألوى نباته، وصوح عشبه، { فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى } أي: أسود أي: جعله هشيمًا رميمًا، ويذكر فيها نعمه الدينية، ولهذا امتن الله بأصلها ومنشئها  ، وهو القرآن، فقال: { سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى } أي: سنحفظ ما أوحينا إليك من الكتاب، ونوعيه قلبك، فلا تنسى منه شيئًا، وهذه بشارة كبيرة من الله لعبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، أن الله سيعلمه علمًا لا ينساه.
{ إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ } مما اقتضت حكمته أن ينسيكه لمصلحة بالغة، { إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى } ومن ذلك أنه يعلم ما يصلح عباده أي: فلذلك يشرع ما أراد، ويحكم بما يريد  ، { وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى }وهذه أيضًا بشارة كبيرة  ، أن الله ييسر رسوله صلى الله عليه وسلم لليسرى في جميع أموره، ويجعل شرعه ودينه يسرا  .
{ فَذَكِّرْ } بشرع الله وآياته { إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى } أي: ما دامت الذكرى مقبولة، والموعظة مسموعة، سواء حصل من الذكرى جميع المقصود أو بعضه.
ومفهوم الآية أنه إن لم تنفع الذكرى، بأن كان التذكير يزيد في الشر، أو ينقص من الخير، لم تكن الذكرى مأمورًا بها، بل منهيًا عنها، فالذكرى ينقسم الناس فيها قسمين: منتفعون وغير منتفعين.
فأما المنتفعون، فقد ذكرهم بقوله: { سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى } الله تعالى، فإن خشية الله تعالى، وعلمه بأن سيجازيه على أعماله  ، توجب للعبد الانكفاف عن المعاصي  والسعي في الخيرات.
وأما غير المنتفعين، فذكرهم بقوله: { وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى } وهي النار الموقدة، التي تطلع على الأفئدة.
{ ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا } أي: يعذب عذابًا أليمًا، من غير راحة ولا استراحة، حتى إنهم يتمنون الموت فلا يحصل لهم، كما قال تعالى: { لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا } .
{ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى } أي: قد فاز وربح من طهر نفسه ونقاها من الشرك والظلم ومساوئ الأخلاق، { وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى } أي: اتصف بذكر الله، وانصبغ به قلبه، فأوجب له ذلك العمل بما يرضي الله، خصوصًا الصلاة، التي هي ميزان الإيمان، فهذا معنى الآية الكريمة، وأما من فسر قوله { تزكى } بمعني أخرج زكاة الفطر، وذكر اسم ربه فصلى، أنه صلاة العيد، فإنه وإن كان داخلًا في اللفظ وبعض جزئياته، فليس هو المعنى وحده.
{ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا } أي: تقدمونها على الآخرة، وتختارون نعيمها المنغص المكدر الزائل على الآخرة.
{ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى } وللآخرة خير من الدنيا في كل وصف مطلوب، وأبقى لكونها دار خلد وبقاء وصفاء، والدنيا دار فناء، فالمؤمن العاقل لا يختار الأردأ على الأجود، ولا يبيع لذة ساعة، بترحة الأبد، فحب الدنيا وإيثارها على الآخرة رأس كل خطيئة.
{ إِنَّ هَذَا } المذكور لكم في هذه السورة المباركة، من الأوامر الحسنة، والأخبار المستحسنة { لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى } اللذين هما أشرف المرسلين، سوى  النبي محمد صلى الله وسلم عليه وسلم.
فهذه أوامر في كل شريعة، لكونها عائدة إلى مصالح الدارين، وهي مصالح في كل زمان ومكان.
تم تفسير سورة الأعلى، ولله الحمد
Ler Mais

تفسير سورة الطارق



 تفسير سورة الطارق عدد آياتها 17
وهى مكيه

{ 1 - 17 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ * إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ * فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ * إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ * يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ * فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ * وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ * وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ * إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ * إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا }
يقول [الله] تعالى: { وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ }
ثم فسر الطارق بقوله: { النَّجْمُ الثَّاقِبُ }
أي: المضيء، الذي يثقب نوره، فيخرق السماوات [فينفذ حتى يرى في الأرض]، والصحيح أنه اسم جنس يشمل سائر النجوم الثواقب.
وقد قيل: إنه " زحل " الذي يخرق السماوات السبع وينفذ فيها  فيرى منها. وسمي طارقًا، لأنه يطرق ليلًا.
والمقسم عليه قوله: { إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ } يحفظ عليها أعمالها الصالحة والسيئة، وستجازى بعملها المحفوظ عليها.
{ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ } أي: فليتدبر خلقته ومبدأه، فإنه مخلوق { مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ } وهو: المني الذي { يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ } يحتمل أنه من بين صلب الرجل وترائب المرأة، وهي ثدياها.
ويحتمل أن المراد المني الدافق، وهو مني الرجل، وأن محله الذي يخرج منه ما بين صلبه وترائبه، ولعل هذا أولى، فإنه إنما وصف الله به الماء الدافق، والذي يحس [به] ويشاهد دفقه، هو مني الرجل، وكذلك لفظ الترائب فإنها تستعمل في الرجل، فإن الترائب للرجل، بمنزلة الثديين للأنثى، فلو أريدت الأنثى لقال: " من بين الصلب والثديين " ونحو ذلك، والله أعلم.
فالذي أوجد الإنسان من ماء دافق، يخرج من هذا الموضع الصعب، قادر على رجعه في الآخرة، وإعادته للبعث، والنشور [والجزاء] ، وقد قيل: إن معناه، أن الله على رجع الماء المدفوق في الصلب لقادر، وهذا - وإن كان المعنى صحيحًا - فليس هو المراد من الآية، ولهذا قال بعده: { يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ } أي: تختبر سرائر الصدور، ويظهر ما كان في القلوب من خير وشر على صفحات الوجوه قال تعالى: { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } ففي الدنيا، تنكتم كثير من الأمور، ولا تظهر عيانًا للناس، وأما في القيامة، فيظهر بر الأبرار، وفجور الفجار، وتصير الأمور علانية.
{ فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ } يدفع بها عن نفسه  { وَلَا نَاصِرٍ } خارجي  ينتصر به، فهذا القسم على حالة العاملين وقت عملهم وعند جزائهم.
ثم أقسم قسمًا ثانيًا على صحة القرآن، فقال: { وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ } أي: ترجع السماء بالمطر كل عام، وتنصدع الأرض للنبات، فيعيش بذلك الآدميون والبهائم، وترجع السماء أيضًا بالأقدار والشئون الإلهية كل وقت، وتنصدع الأرض عن الأموات، { إِنَّه } أي: القرآن { لَقَوْلٌ فَصْلٌ } أي: حق وصدق بين واضح.
{ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ } أي: جد ليس بالهزل، وهو القول الذي يفصل بين الطوائف والمقالات، وتنفصل به الخصومات.
{ إِنَّهُمْ } أي: المكذبين للرسول صلى الله عليه وسلم، وللقرآن { يَكِيدُونَ كَيْدًا } ليدفعوا بكيدهم الحق، ويؤيدوا الباطل.
{ وَأَكِيدُ كَيْدًا } لإظهار الحق، ولو كره الكافرون، ولدفع ما جاءوا به من الباطل، ويعلم بهذا من الغالب، فإن الآدمي أضعف وأحقر من أن يغالب القوي العليم في كيده.
{ فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا } أي: قليلًا، فسيعلمون عاقبة أمرهم، حين ينزل بهم العقاب.
تم تفسير سورة الطارق، والحمد لله رب العالمين.
Ler Mais

تفسير سورة البروج




تفسير سورة البروج عدد آياتها 22
وهى مكيه

{ 1 - 22 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ * قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ * إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ * إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ * وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ * فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ * وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ * بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ }
{ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ } أي: [ذات] المنازل المشتملة على منازل الشمس والقمر، والكواكب المنتظمة في سيرها، على أكمل ترتيب ونظام دال على كمال قدرة الله تعالى ورحمته، وسعة علمه وحكمته.
{ وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ } وهو يوم القيامة، الذي وعد الله الخلق أن يجمعهم فيه، ويضم فيه أولهم وآخرهم، وقاصيهم ودانيهم، الذي لا يمكن أن يتغير، ولا يخلف الله الميعاد.
{ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ } وشمل هذا كل من اتصف بهذا الوصف أي: مبصر ومبصر، وحاضر ومحضور، وراء ومرئي.
والمقسم عليه، ما تضمنه هذا القسم من آيات الله الباهرة، وحكمه الظاهرة، ورحمته الواسعة.
وقيل: إن المقسم عليه قوله { قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ } وهذا دعاء عليهم بالهلاك.
و { الأخدود } الحفر التي تحفر في الأرض.
وكان أصحاب الأخدود هؤلاء قومًا كافرين، ولديهم قوم مؤمنون، فراودوهم للدخول  في دينهم، فامتنع المؤمنون من ذلك، فشق الكافرون أخدودًا [في الأرض]، وقذفوا فيها النار، وقعدوا حولها، وفتنوا المؤمنين، وعرضوهم عليها، فمن استجاب لهم أطلقوه، ومن استمر على الإيمان قذفوه في النار، وهذا في غاية المحاربة لله ولحزبه المؤمنين، ولهذا لعنهم الله وأهلكهم وتوعدهم فقال: { قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ } ثم فسر الأخدود بقوله: { النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ } وهذا من أعظم ما يكون من التجبر وقساوة القلب، لأنهم جمعوا بين الكفر بآيات الله ومعاندتها، ومحاربة أهلها وتعذيبهم بهذا العذاب، الذي تنفطر منه القلوب، وحضورهم إياهم عند إلقائهم فيها، والحال أنهم ما نقموا من المؤمنين إلا خصلة  يمدحون عليها، وبها سعادتهم، وهي أنهم كانوا يؤمنون بالله العزيز الحميد أي: الذي له العزة التي قهر بها كل شيء، وهو حميد في أقواله وأوصافه وأفعاله.
{ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } خلقًا وعبيدًا، يتصرف فيهم تصرف المالك بملكه  ، { وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } علمًا وسمعًا وبصرًا، أفلا خاف هؤلاء المتمردون على الله، أن يبطش بهم العزيز المقتدر، أو ما علموا أنهم جميعهم مماليك لله  ، ليس لأحد على أحد سلطة، من دون إذن المالك؟ أو خفي عليهم أن الله محيط بأعمالهم، مجاز لهم على فعالهم  ؟ كلا إن الكافر في غرور، والظالم في جهل وعمى  عن سواء السبيل.
ثم وعدهم، وأوعدهم، وعرض عليهم التوبة، فقال: { إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ } أي: العذاب الشديد المحرق.
قال الحسن رحمه الله: انظروا إلى هذا الكرم والجود، هم قتلوا أولياءه وأهل طاعته، وهو يدعوهم إلى التوبة.
ولما ذكر عقوبة الظالمين، ذكر ثواب المؤمنين، فقال: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا } بقلوبهم { وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } بجوارحهم { لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ } الذي حصل به الفوز  برضا الله ودار كرامته.
{ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ } أي: إن عقوبته لأهل الجرائم والذنوب العظام [لقوية] شديدة، وهو بالمرصاد للظالمين كما قال الله تعالى: { وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ }
{ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ } أي: هو المنفرد بإبداء الخلق وإعادته، فلا مشارك له في ذلك  ، { وَهُوَ الْغَفُورُ } الذي يغفر الذنوب جميعها لمن تاب، ويعفو عن السيئات لمن استغفره وأناب.
{ الْوَدُودُ } الذي يحبه أحبابه محبة لا يشبهها شيء فكما أنه لا يشابهه شيء في صفات الجلال والجمال، والمعاني والأفعال، فمحبته في قلوب خواص خلقه، التابعة لذلك، لا يشبهها شيء من أنواع المحاب، ولهذا كانت محبته أصل العبودية، وهي المحبة التي تتقدم جميع المحاب وتغلبها، وإن لم يكن غيرها تبعًا لها، كانت عذابًا على أهلها، وهو تعالى الودود، الواد لأحبابه، كما قال تعالى: { يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } والمودة هي المحبة الصافية، وفي هذا سر لطيف، حيث قرن { الودود } بالغفور، ليدل ذلك على أن أهل الذنوب إذا تابوا إلى الله وأنابوا، غفر لهم ذنوبهم وأحبهم، فلا يقال: بل تغفر ذنوبهم، ولا يرجع إليهم الود، كما قاله بعض الغالطين.
بل الله أفرح بتوبة عبده حين يتوب، من رجل له راحلة، عليها طعامه وشرابه وما يصلحه، فأضلها في أرض فلاة مهلكة، فأيس منها، فاضطجع في ظل شجرة ينتظر الموت، فبينما هو على تلك الحال، إذا راحلته على رأسه، فأخذ بخطامها، فالله أعظم فرحًا بتوبة العبد من هذا براحلته، وهذا أعظم فرح يقدر.
فلله الحمد والثناء، وصفو الوداد، ما أعظم بره، وأكثر خيره، وأغزر إحسانه، وأوسع امتنانه"
{ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ } أي: صاحب العرش العظيم، الذي من عظمته، أنه وسع السماوات والأرض والكرسي، فهي بالنسبة إلى العرش كحلقة ملقاة في فلاة، بالنسبة لسائر الأرض، وخص الله العرش بالذكر، لعظمته، ولأنه أخص المخلوقات بالقرب منه تعالى، وهذا على قراءة الجر، يكون { المجيد } نعتا للعرش، وأما على قراءة الرفع، فإن المجيد نعت لله  ، والمجد سعة الأوصاف وعظمتها.
{ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ } أي: مهما أراد شيئًا فعله، إذا أراد شيئًا قال له كن فيكون، وليس أحد فعالًا لما يريد إلا الله.
فإن المخلوقات، ولو أرادت شيئًا، فإنه لا بد لإرادتها من معاون وممانع، والله لا معاون لإرادته، ولا ممانع له مما أراد.
ثم ذكر من أفعاله الدالة على صدق ما جاءت به رسله، فقال: { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ فِرْعَوْنَ وَثَمُود } وكيف كذبوا المرسلين، فجعلهم الله من المهلكين.
{ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ } أي: لا يزالون مستمرين على التكذيب والعناد، لا تنفع فيهم الآيات، ولا تجدي لديهم العظات.
{ وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ } أي: قد أحاط بهم علمًا وقدرة، كقوله: { إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ } ففيه الوعيد الشديد للكافرين، من عقوبة من هم في قبضته، وتحت تدبيره.
{ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ } أي: وسيع المعاني عظيمها، كثير الخير والعلم.
{ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ } من التغيير والزيادة والنقص، ومحفوظ من الشياطين، وهو: اللوح المحفوظ الذي قد أثبت الله فيه كل شيء.
وهذا يدل على جلالة القرآن وجزالته، ورفعة قدره عند الله تعالى، والله أعلم.
تم تفسير السورة.
Ler Mais

تفسير سورة الانشقاق



تفسير سورة الانشقاق عدد آياتها 25
وهى مكيه

{ 1 - 15 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ * فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا * إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا * إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ * بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا }
يقول تعالى مبينًا لما يكون في يوم القيامة من تغير الأجرام العظام: { إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ } أي: انفطرت وتمايز بعضها من بعض، وانتثرت نجومها، وخسف بشمسها وقمرها.
{ وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا } أي: استمعت لأمره، وألقت سمعها، وأصاخت لخطابه، وحق لها ذلك، فإنها مسخرة مدبرة تحت مسخر ملك عظيم، لا يعصى أمره، ولا يخالف حكمه.
{ وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ } أي: رجفت وارتجت، ونسفت عليها جبالها، ودك ما عليها من بناء ومعلم، فسويت، ومدها الله تعالى مد الأديم، حتى صارت واسعة جدًا، تسع أهل الموقف على كثرتهم، فتصير قاعًا صفصفًا لا ترى فيها عوجًا ولا أمتا.
{ وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا } من الأموات والكنوز.
{ وَتَخَلَّتْ } منهم، فإنه ينفخ في الصور، فتخرج الأموات من الأجداث إلى وجه الأرض، وتخرج الأرض كنوزها، حتى تكون كالأسطوان العظيم، يشاهده الخلق، ويتحسرون على ما هم فيه يتنافسون، { وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ يَا أَيُّهَاالْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ } أي: إنك ساع إلى الله، وعامل بأوامره ونواهيه، ومتقرب إليه إما بالخير وإما بالشر، ثم تلاقي الله يوم القيامة، فلا تعدم منه جزاء بالفضل إن كنت سعيدًا، أو بالعدل إن كنت شقيًا .
ولهذا ذكر تفضيل الجزاء، فقال: { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ } وهم أهل السعادة.
{ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا } وهو العرض اليسير على الله، فيقرره الله بذنوبه، حتى إذا ظن العبد أنه قد هلك، قال الله [تعالى] له: " إني قد سترتها عليك في الدنيا، فأنا أسترها لك اليوم ".
{ وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ } في الجنة { مَسْرُورًا } لأنه نجا من العذاب وفاز بالثواب، { وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ } أي: بشماله من خلفه. 
{ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا } من الخزي والفضيحة، وما يجد في كتابه من الأعمال التي قدمها ولم يتب منها، { وَيَصْلَى سَعِيرًا } أي: تحيط به السعير من كل جانب، ويقلب على عذابها، وذلك لأنه في الدنيا { كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا } لا يخطر البعث على باله، وقد أساء، ولم  يظن أنه راجع إلى ربه وموقوف بين يديه.
{ بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا } فلا يحسن أن يتركه سدى، لا يؤمر ولا ينهى، ولا يثاب ولا يعاقب.

{ 16 - 25 } { فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ * وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ * وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ * لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ * فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ * وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ * فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ }

أقسم في هذا الموضع بآيات الليل، فأقسم بالشفق الذي هو بقية نور الشمس، الذي هو مفتتح الليل.
{ وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ } أي: احتوى عليه من حيوانات وغيرها، { وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ } أي: امتلأ نورًا بإبداره، وذلك أحسن ما يكون وأكثر منافع، والمقسم عليه قوله: { لَتَرْكَبُنَّ } [أي:] أيها الناس { طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ } أي: أطوارا متعددة وأحوالا متباينة، من النطفة إلى العلقة، إلى المضغة، إلى نفخ الروح، ثم يكون وليدًا وطفلًا، ثم مميزًا، ثم يجري عليه قلم التكليف، والأمر والنهي، ثم يموت بعد ذلك، ثم يبعث ويجازى بأعماله، فهذه الطبقات المختلفة الجارية على العبد، دالة على أن الله وحده هو المعبود، الموحد، المدبر لعباده بحكمته ورحمته، وأن العبد فقير عاجز، تحت تدبير العزيز الرحيم، ومع هذا، فكثير من الناس لا يؤمنون.
{ وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ } أي: لا يخضعون للقرآن، ولا ينقادون لأوامره ونواهيه، { بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ } أي: يعاندون الحق بعدما تبين، فلا يستغرب عدم إيمانهم وعدم انقيادهم للقرآن، فإن المكذب بالحق عنادًا، لا حيلة فيه، { وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ } أي: بما يعملونه وينوونه سرًا، فالله يعلم سرهم وجهرهم، وسيجازيهم بأعمالهم، ولهذا قال { فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } وسميت البشارة بشارة، لأنها تؤثر في البشرة سرورًا أو غمًا.
فهذه حال أكثر الناس، التكذيب بالقرآن، وعدم الإيمان [به].
ومن الناس فريق هداهم الله، فآمنوا بالله، وقبلوا ما جاءتهم به الرسل، فآمنوا وعملوا الصالحات.
فهؤلاء لهم أجر غير ممنون أي: غير مقطوع بل هو أجر دائم مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
تم تفسير السورة ولله الحمد.
Ler Mais

تفسير سورة المطففين



تفسير سورة المطففين عدد آياتها 36
وهى مكيه

{ 1 - 6 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ }
{ وَيْلٌ } كلمة عذاب، ووعيد  { لِلْمُطَفِّفِينَ }
وفسر الله المطففين بقوله  { الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ } أي: أخذوا منهم وفاء عما ثبت لهم قبلهم { يَسْتَوْفُونَ } يستوفونه كاملا من غير نقص.
{ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ } أي: إذا أعطوا الناس حقهم، الذي للناس  عليهم بكيل أو وزن، { يُخْسِرُونَ } أي: ينقصونهم ذلك، إما بمكيال وميزان ناقصين، أو بعدم ملء المكيال والميزان، أو نحو ذلك. فهذا سرقة [لأموال] الناس  ، وعدم إنصاف [لهم] منهم.
وإذا كان هذا الوعيد  على الذين يبخسون الناس بالمكيال والميزان، فالذي يأخذ أموالهم قهرًا أو سرقة، أولى بهذا الوعيد من المطففين.
ودلت الآية الكريمة، على أن الإنسان كما يأخذ من الناس الذي له، يجب عليه أن يعطيهم كل ما لهم من الأموال والمعاملات، بل يدخل في [عموم هذا]  الحجج والمقالات، فإنه كما أن المتناظرين قد جرت العادة أن كل واحد [منهما] يحرص على ماله من الحجج، فيجب عليه أيضًا أن يبين ما لخصمه من الحجج  [التي لا يعلمها]، وأن ينظر في أدلة خصمه كما ينظر في أدلته هو، وفي هذا الموضع يعرف إنصاف الإنسان من تعصبه واعتسافه، وتواضعه من كبره، وعقله من سفهه، نسأل الله التوفيق لكل خير.
ثم توعد تعالى المطففين، وتعجب من حالهم وإقامتهم على ما هم عليه، فقال: { أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } فالذي جرأهم على التطفيف عدم إيمانهم باليوم الآخر، وإلا فلو آمنوا به، وعرفوا أنهم يقومون بين يدى الله، يحاسبهم  على القليل والكثير، لأقلعوا عن ذلك وتابوا منه.
 

{ 7 - 17 } { كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ * ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ }
يقول تعالى: { كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ } [وهذا شامل لكل فاجر] من أنواع الكفرة والمنافقين، والفاسقين { لَفِي سِجِّينٍ }
ثم فسر ذلك بقوله: { وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ كِتَابٌ مَرْقُومٌ } أي: كتاب مذكور فيه أعمالهم الخبيثة، والسجين: المحل الضيق الضنك، و { سجين } ضد { عليين } الذي هو محل كتاب الأبرار، كما سيأتي.
وقد قيل: إن { سجين } هو أسفل الأرض السابعة، مأوى الفجار ومستقرهم في معادهم.
{ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ } ثم بين المكذبين بأنهم  { الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ } أي: يوم الجزاء، يوم يدين الله فيه الناس بأعمالهم.
{ وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ } على محارم الله، متعد من الحلال إلى الحرام.
{ أَثِيمٍ } أي كثير الإثم، فهذا الذي يحمله عدوانه على التكذيب، ويحمله [عدوانه على التكذيب ويوجب له] كبره رد الحق، ولهذا { إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا } الدالة على الحق، و[على] صدق ما جاءت به رسله، كذبها وعاندها، و { قَالَ } هذه { أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ } أي: من ترهات المتقدمين، وأخبار الأمم الغابرين، ليس من عند الله تكبرا وعنادا.
وأما من أنصف، وكان مقصوده الحق المبين، فإنه لا يكذب بيوم الدين، لأن الله قد أقام عليه من الأدلة القاطعة، والبراهين الساطعة، ما يجعله حق اليقين، وصار لقلوبهم مثل الشمس للأبصار  ، بخلاف من ران على قلبه كسبه، وغطته معاصيه، فإنه محجوب عن الحق، ولهذا جوزي على ذلك، بأن حجب عن الله، كما حجب قلبه في الدنيا عن آيات الله، { ثُمَّ إِنَّهُمْ } مع هذه العقوبة البليغة { لَصَالُوا الْجَحِيمِ } ثم يقال لهم توبيخا وتقريعًا:  هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } فذكر لهم ثلاثة أنواع من العذاب: عذاب الجحيم، وعذاب التوبيخ، واللوم.
وعذاب الحجاب من رب العالمين، المتضمن لسخطه وغضبه عليهم، وهو أعظم عليهم من عذاب النار، ودل مفهوم الآية، على أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة وفي الجنة، ويتلذذون بالنظر إليه أعظم من سائر اللذات، ويبتهجون بخطابه، ويفرحون بقربه، كما ذكر الله ذلك في عدة آيات من القرآن، وتواتر فيه النقل عن رسول الله.
وفي هذه الآيات، التحذير من الذنوب، فإنها ترين على القلب وتغطيه شيئا فشيئا، حتى ينطمس نوره، وتموت بصيرته، فتنقلب عليه الحقائق، فيرى الباطل حقًا، والحق باطلًا، وهذا من بعض  عقوبات الذنوب.

{ 18 - 27 } { كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ * إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ * وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ }

لما ذكر أن كتاب الفجار في أسفل الأمكنة وأضيقها، ذكر أن كتاب الأبرار في أعلاها وأوسعها، وأفسحها وأن كتابهم المرقوم { يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ } من الملائكة الكرام، وأرواح الأنبياء، والصديقين والشهداء، وينوه الله بذكرهم في الملأ الأعلى، و { عليون } اسم لأعلى الجنة، فلما ذكر كتابهم، ذكر أنهم في نعيم، وهو اسم جامع لنعيم القلب والروح والبدن، { عَلَى الْأَرَائِكِ } أي: [على] السرر المزينة بالفرش الحسان.
{ يُنْظَرُونَ } إلى ما أعد الله لهم من النعيم, وينظرون إلى وجه ربهم الكريم، { تَعْرِفُ } أيها الناظر إليهم { فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ } أي: بهاء النعيم  ونضارته ورونقه، فإن توالي اللذة والسرور  يكسب الوجه نورًا وحسنًا وبهجة.
{ يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ } وهو من أطيب ما يكون من الأشربة وألذها، { مَخْتُومٍ }
ذلك الشراب { خِتَامُهُ مِسْكٌ } يحتمل أن المراد مختوم عن أن يداخله شيء ينقص لذته، أو يفسد طعمه، وذلك الختام، الذي ختم به, مسك.
ويحتمل أن المراد أنه [الذي] يكون في آخر الإناء، الذي يشربون منه الرحيق حثالة، وهي المسك الأذفر، فهذا الكدر منه، الذي جرت العادة في الدنيا أنه يراق, يكون في الجنة بهذه المثابة، { وَفِي ذَلِكَ } النعيم المقيم، الذي لا يعلم حسنه ومقداره إلا الله، { فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ } أي: يتسابقوا في المبادرة إليه بالأعمال الموصلة إليه، فهذا أولى ما بذلت فيه نفائس الأنفاس، وأحرى ما تزاحمت للوصول إليه فحول الرجال.
{ 27 - 28 } ومزاج هذا الشراب من تسنيم، وهي عين { يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ } صرفا، وهي أعلى أشربة الجنة على الإطلاق، فلذلك كانت خالصة للمقربين، الذين هم أعلى الخلق منزلة، وممزوجة لأصحاب اليمين أي: مخلوطة بالرحيق وغيره من الأشربة اللذيذة.

{ 29 - 36 } { إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ }
لما ذكر تعالى جزاء المجرمين وجزاء المؤمنين  و [ذكر] ما بينهما من التفاوت العظيم، أخبر أن المجرمين كانوا في الدنيا يسخرون بالمؤمنين، ويستهزئون بهم، ويضحكون منهم، ويتغامزون بهم عند مرورهم عليهم، احتقارا لهم وازدراء، ومع هذا تراهم مطمئنين، لا يخطر الخوف على بالهم، { وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ } صباحًا أو مساء { انْقَلَبُوا فَكِهِينَ } أي: مسرورين مغتبطين  ، وهذا من أعظم  ما يكون من الاغترار، أنهم جمعوا بين غاية الإساءة والأمن  في الدنيا، حتى كأنهم قد جاءهم كتاب من الله وعهد، أنهم من أهل السعادة، وقد حكموا لأنفسهم أنهم أهل الهدى، وأن المؤمنين ضالون، افتراء على الله، وتجرأوا على القول عليه بلا علم.
قال تعالى: { وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ } أي: وما أرسلوا وكلاء على المؤمنين ملزمين بحفظ أعمالهم، حتى يحرصوا على رميهم بالضلال، وما هذا منهم إلا تعنت وعناد وتلاعب، ليس له مستند ولا برهان، ولهذا كان جزاؤهم في الآخرة من جنس عملهم، قال تعالى: { فَالْيَوْمَ } أي: يوم القيامة، { الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ } حين يرونهم في غمرات العذاب يتقلبون، وقد ذهب عنهم ما كانوا يفترون، والمؤمنون في غاية الراحة والطمأنينة { عَلَى الْأَرَائِكِ } وهي السرر المزينة، { يُنْظَرُونَ } إلى ما أعد الله لهم من النعيم، وينظرون إلى وجه ربهم الكريم.
{ هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } أي: هل جوزوا من جنس عملهم؟
فكما ضحكوا في الدنيا من المؤمنين ورموهم بالضلال، ضحك المؤمنون منهم في الآخرة، ورأوهم  في العذاب والنكال، الذي هو عقوبة الغي والضلال.
نعم، ثوبوا ما كانوا يفعلون، عدلًا من الله وحكمة، والله عليم حكيم.
Ler Mais

تفسير سورة الإنفطار



تفسير سورة الإنفطار عدد آياتها 19
وهى مكيه

{ 1 - 5 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ }
أي: إذا انشقت السماء وانفطرت، وانتثرت  نجومها، وزال جمالها، وفجرت البحار فصارت بحرا واحدا، وبعثرت القبور بأن أخرجت  ما فيها من الأموات، وحشروا للموقف بين يدي الله للجزاء على الأعمال. فحينئذ ينكشف الغطاء، ويزول ما كان خفيا، وتعلم كل نفس ما معها من الأرباح والخسران، هنالك يعض الظالم على يديه إذا رأى أعماله باطلة، وميزانه قد خف، والمظالم قد تداعت إليه، والسيئات قد حضرت لديه، وأيقن بالشقاء الأبدي والعذاب السرمدي  .
و [هنالك] يفوز المتقون المقدمون لصالح الأعمال بالفوز العظيم، والنعيم المقيم والسلامة من عذاب الجحيم.

{ 6 - 12 } { يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ * كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ * وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ }

يقول تعالى معاتبا للإنسان المقصر في حق ربه، المتجرئ على مساخطه  : { يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ } أتهاونا منك في حقوقه؟ أم احتقارا منك لعذابه؟ أم عدم إيمان منك بجزائه؟
أليس هو { الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ } في أحسن تقويم؟ { فَعَدَلَكَ } وركبك تركيبا قويما معتدلا، في أحسن الأشكال، وأجمل الهيئات، فهل يليق بك أن تكفر نعمة المنعم، أو تجحد إحسان المحسن؟
إن هذا إلا من جهلك وظلمك وعنادك وغشمك، فاحمد الله أن لم يجعل صورتك صورة كلب أو حمار، أو نحوهما من الحيوانات؛ فلهذا قال تعالى: { فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ }
[وقوله:] { كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ } أي: مع هذا الوعظ والتذكير، لا تزالون مستمرين على التكذيب بالجزاء.
وأنتم لا بد أن تحاسبوا على ما عملتم، وقد أقام الله عليكم ملائكة كراما يكتبون أقوالكم وأفعالكم ويعلمون أفعالكم، ودخل في هذا أفعال القلوب، وأفعال الجوارح، فاللائق بكم أن تكرموهم وتجلوهم وتحترموهم.

{ 13 - 19 } { إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ * يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ * وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ }

المراد بالأبرار، القائمون بحقوق الله وحقوق عباده، الملازمون للبر، في أعمال القلوب وأعمال الجوارح، فهؤلاء جزاؤهم النعيم في القلب والروح والبدن، في دار الدنيا [وفي دار] البرزخ و [في] دار القرار.
{ وَإِنَّ الْفُجَّارَ } الذين قصروا في حقوق الله وحقوق عباده، الذين فجرت قلوبهم ففجرت أعمالهم { لَفِي جَحِيمٍ } أي: عذاب أليم، في دار الدنيا و [دار] البرزخ وفي دار القرار.
{ يَصْلَوْنَهَا } ويعذبون [بها] أشد العذاب { يَوْمِ الدِّينِ } أي: يوم الجزاء على الأعمال.
{ وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ } أي: بل هم ملازمون لها، لا يخرجون منها.
{ وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ } ففي هذا تهويل لذلك اليوم الشديد الذي يحير الأذهان.
{ يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا } ولو كانت لها قريبة [أو حبيبة] مصافية، فكل مشتغل بنفسه لا يطلب الفكاك لغيرها. { وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } فهو الذي يفصل بين العباد، ويأخذ للمظلوم حقه من ظالمه [والله أعلم].
Ler Mais

لتربح المال اضغط هنا واشترك فى الموقع مجانا

تابعنا على الفيس بوك

المتابعون