قصة السكران
يمر الإنسان في حياته بقصص ومواقف مختلفة المعالم والأحداث , فيها ما هو مفرح سار , وفيها المحزن الضار ,
فيها الطريف , وفيها الغريب , وفيها المخيف , فيها ما يسهل تصديقه , وفيها ما هو متعسر على عقول المستمعين
لكن هذه القصص تذهب إلى النسيان ما لم نروها , أو ندونها لتتلقاها قلوب الآخرين وأفئدتهم الحية .
مر بي وقت من ليلة البارحة على غير العادة التي أعرفها , وعلى غير الهدوء الذي تعودته , فبعد هجعة قليلة استيقظت على أصوات المزامير العابرة من خارج المنزل , سيارة بالأسفل تقذف حمم الموسيقى الصاخبة التي لا معنى لها ولا منطق !! لتصل إلى حجرتي البعيدة , لقد تسوَرَت تلك النغمات حائطي وأغارت رغم جميع الحواجز على أذني , وبكل قوة وصلت إلى جوفي وارتطمت بأضلاعي , فأحسست بوقعها المدوي على أضلاعي , و صار الجسد وكأنه أذنٌ تسمع !! و صار القلب يخفق وكأنه طبلة تقرعها أكف المطبلين !!
من الطارق يا ترى ؟
ولمـَ لـمْ يحرك ساكنا ؟
أرجل هو أم مجموعة رجال ؟
أهو شاب في مقتبل العمر أم أنه في أوسطه ؟
وماذا عن خِلقته وصفاته الجسدية !!
هل هو فض مفتول العضلات أو سهل لطيف ؟؟
كل هذه الأسئلة دارت في خلدي قبل خروجي من بيتي لملاقاته و الاعتراض عليه وعلى سلوكه المزعج , عزمت على ذلك لأن من حقي أن أحفظ الهدوء في بيتي , من أجل عائلتي وأيضا من أجل جيراني , لا سيما وقد كنا في وقت السَحَر , ذلك الوقت الذي ينزل فيه الإله ليغدق العطاء بالمتهجدين والمتعبدين و الرافعين قلوبهم وأكفهم بالدعاء , وكيف نقف بين يدي الله في ذلك الوقت وتلك الطبول و أصوات المزامير لم تزل تنبعث من تلك السيارة ؟
كيف نقرأ كلام الرحمن وأصوات الشيطان تملأ المكان ؟
توكلت على الله وقررت الخروج إلى صاحب السيارة , لبست غترتي وتعطرت , ثم بحثت عن بعض المحاضرات الصوتية لعلها تكون سببا في هدايته وعودته إلى الاستقامة .. أخذت في يدي : محاضرة \" أسباب منسية \" للشيخ خالد الجبير , و محاضرة \" السعادة \"للشيخ محمد الشنقيطي وفقهما الله , وبحثت عن المحاضرات التي ترقق القلوب ثم اتجهت للصوت …
تمنيت أن يكون أصغر مني سنا ليسهل علي مثلي نصحه , لكن لما رأيت مظهره من بعيد وعلمت بأنه أكبر مني حدثتني نفسي و كدت أن أعود القهقرى لولا أن الله أراد لي الإقدام , فمن يدري فلربما كان الرجل لطيفا على غير مظهره …
انتبه الرجل لقدومي فاستجمع قواه و استقبلني مستدبرا سيارته ينتظر وصولي !!
وقفت أمامه و مددت يدي للسلام عليه ؟ فمد يده لمصافحتي و علامات الاستفهام والغرابة تنبعث من وجهه القمحي
لكنه لم ينطق حرفا واحدا ..
قلت لنفسي الحمد لله .. لقد مد يده ..
نظر قليلا فلما هممت بالحديث معه قبض على كفي وسار بي بعيدا عن سيارته !!
فمشيت وراءه وكأني طفل متشبث في يد أبيه !!
توقعت أن يكون إما مجنونا أو مخمورا بسبب تصرفه الغريب ..
لم أرد محادثته حتى يقف واستمر الصمت بيننا والمسير !!
ولا أدري لماذا يأخذني إلى جانب الطريق وليس فيه سوانا!
فلما ابتعدنا عن سيارته التي لم تزل تبعث الأصوات المزعجة قبضت يده وأوقفته …
توقف الرجل ونظر إلي بوجل وقال :
من أنت ؟
قلت : لا تخف أنا أريد لك الخير ؟
قال من تكون ؟
قلت أنا الذي كان يريد الصلاة فأزعجته أصوات الموسيقى !!
قال : ماذا تريد ؟
قلت : أريد لك الخير ؟
قال : من أنت ؟ أنا لا أعرفك ؟
قلت يا أخي ألا تخشى الله ؟
أعطاك السمع وحرم ملايين البشر منه وأنت تمتعه بالحرام !
ألا تخشى أن يأخذ الله سمعك .. ؟
وما إن سمع هذه العبارة حتى غطى بعمامته وجهه
ثم وقفت أنظر إليه أتأمل في حاله إلى أن كشف عن وجهه ؟
فقلت : ألك صبرٌ على النار ؟
والله لا نستطيع أن نضع أطراف أصابعنا في زيت يغلي تحت نار الدنيا ولو دقيقة واحدة
فكيف بمن يُكب على وجهه في نار القيامة ؟
وما إن سمع النار حتى غطى وجهه مرة أخرى
قلت :
إحمد الله أن روحك ما زالت تجري في جسدك وأن فرصة التوبة ما زالت مفتوحة أمامك
ثم كشف عن وجهه ونظر إلي ..
و سألته بالله عليك :
ماذا لو نزل علينا الآن ملك الموت وأخذ أرواحنا
أيسرك عملك هذا ؟
قال : لا لا ..
و غطى وجهه بتلك العمامة مرة ثالثة
ضغطت على كفه فكشف عن وجهه والخوف قد سيطر عليه والأسى ! وقال :
أنت ملك الموت ؟ ؟
قلت : سبحان الله ..
لا لا .. لا تخف أنا لست ملك الموت
أنا أحبك وأحب لك الخير
أريدك أن تدخل الجنة
ومددت إليه أشرطة المحاضرات فأخذها ووضعها في جيبه
وقال بصوت خافت .. الله يوفقك ..
ثم نظر إلي نظرة استنكار وقال :
من أنت ؟ أنا لا أعرفك ؟
قلت سأخبرك من أنا إذا أطفأت الموسيقى من سيارتك
قال .. لا أستطيع .. لا أستطيع
قلت و لماذا لا تستطيع ؟
أطرق قليلا ثم مد صوته الخافت وقال :
أنا سكران
قلت له : إستغفر الله وتب
قال بحزن شديد لقد ضحك أصحابي علي
قلت إنهم أهل سوء فاتركهم
وتب من الخمر فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين
إن الله سبحانه يحب أن تتوب وهو سبحانه يفرح بتوبة العبد
وقرأت الآية :
\" قل يا عبادي الذين اسرفوا على أنفسهم ... \"
فقاطعني يريد إكمال الآية وقال متعتعا :
لا .. لا .. تق .. تق .. تقن .. نطوا ..
قلت .. أحسنت
\" لا تقنطوا من رحمة الله \"
سألته :
أتريد أن تدخل الجنة ؟
أجاب بلهجتنا السعودية في صوت باكي
\" إيــه إيــه \"
قالها متحسرا على تفريطه فيها وفي جنب الله
ثم سألته : ألك أبناء ؟
قال والبكاء والحسرة تكاد أن تسبق حروفه
\"\" إيـــه .. إيـــه \"\"
احتضنته و طبطبت على ظهره
ثم أرسلته فقال من أنت ؟
قلت أنا من يحبك ويحب لك الخير
قال ماسمك ؟
قلت انا فيصل
قال أنا اسمي احمد الـ ... و أريد أن أكون جارك
قلت : حياك الله وأشرت إلى منزلي ودعوته للدخول فأبى
وقال : ادع الله لي
ثم ودعته وهو يسأل الله أن يوفقني
وكلي أمل ورجاء أن يتوب الله علينا أجمعين
ويدخلنا برحمته في عباده الصالحين
هذه القصة حدثت لي البارحة فليت شعري هل سيتوب أحمد من الخمر والموسيقى ؟
قد يمر بهذه الوريقات من هو مثله فيرق قلبه ويتذكر ربه وينيب مخبتا تائبا صادقا
يشتري رحمة ربه ويحذر الآخره
.
.
يامن تعصي الله
\" ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق \"
بلى والله قد آن
أخي يا من تعصي الله ألست تحب الله ورسوله ؟
بلى والله إنك تحب الله ورسوله فإن كنت لا تعلم فاعلم
والله المستعان
0 التعليقات:
إرسال تعليق
نشكركم للمتابعه معنا : ما رأيكم بالموضوع ؟
اضف ردا هنا..